للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي لابُدَّ لها من محلّ؟ فإن كانت عينًا قائمةً بنفسها فإما أن تكون هي الحقّ أو غيره، فإن كانت الحق فلم يتجدد شيء، وإن كانت غيره فقد حدث غير الربّ، فقد جعل الحقّ يظهر فيه وسماه الرحمن، فيكون الرحمن اسمًا لغير الله. وإن كانت صفةً من الصفات، وليس هنا ما يقوم به إلاّ الربّ، فتكون هذه النقطة صفة له، أفهي حادثة أم قديمة؟ فإن كانت قديمة فلم يتجدد شيء، وإن كانت حادثة وهي صورة علم الحق فقد تجدد له علمٌ لم يكن له قبل ذلك، وهذا مع أنه كفرٌ لا يقولون به، لأنه تقدم أنه كان عالمًا بنفسه وبسائر المعلومات.

ومقصوده بهذه الكلمات أن الحق صار معلومًا متجليًّا لمعلوماتِه بعد أن كان عالمًا بها وهي متجلية له، وقد قدّمنا أنه لا يتجلَّى لجميعها إلاّ أن يُعنَى بتجليه لها دلالتُها عليه أو علمُها به، كما قيل في قوله: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) (١). ففي الجملة كون الحقّ يصير معلومًا لبعض الخلق أو كلَهم هذا معنى صحيح، لكن كيف يعلمونه قبل أن يخلقهم.

فإن قيل: لأنهم في علمه.

قلنا: وهم في علمه عالمون به، فإنه يعلم الأشياء على ما عليه، فيعلم المؤمن مؤمنًا والكافرَ كافرًا، والعالم عالمًا والجاهل جاهلاً، وأيّ حالٍ تجدَّد للشيء فانه يعلمه عليه في علمه قبل أن


(١) سورة الإسراء: ٤٤.