للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون، كما يعلم نفس الشيء قبل أن يكون، فلا يتصور أن تصير المخلوقات عالمةً في الخارج إلاّ بعد وجودِها في الخارج، كما لا يُعلم أنها عالمة إلاّ إذا علمتْ هي، فإن ثبوت الصفة بدون الموصوف في الخارج أو العلم محال.

فهذا التقسيم والتحقيق يكشف ما أبدَوه من الزخرف والتزويق، فإن هذه الحقيقة إن كانت صفةً لله ليعلم بها نفسَه ومعلوماتِه، فالله علم بذلك قبل ظهور هذه الحقيقة؛ وإن كانت صفةً لغيرِه فلا يتصوَّر وجودُها قبل وجود ذلك الغير.

وقوله "ظهرتْ نقطة" لفظ مجمل، أيَعني حدثَتْ؟ فالمحدَث لابدّ له من محدِث، ولابد للصفة من محل، أم يعني انكشفَتْ وتجلت؟ فلمن تجلَّتْ "وما ثَمَّ إذ ذاك إلاّ الله؟ وهو عالمٌ بنفسِه ومعلوماتِه، فأيُّ شيء انكشف له وتجلَّى بهذه النقطة العجيبة الشأن؟ ما أشبهَ هذه النقطةَ بالكلمة التي تعبدها النصارى وتَزعُم أنها دخَلَتِ الناسوتَ، فيقول لهم المسلمون: هذه الصفة صفة هي كلامٌ لله، فإن كان كذلك لم يكن إلهًا يخلق ويرزق ويُعبَد، ولا يحل المسيح دون الموصوف، وإن كان جوهرًا خالقًا فإنما يتقدم بنفسه، فهي الأب أو غيره؟ إن كانت الأب فيكون الأب هو الحال، وإن كان غيره فيكون جوهرانِ منفصلانِ إلهان. فالنصارى في ضلالة وحيرة حيث أثبتوا ثلاثة آلهة وقالوا: هي إلهٌ واحد.

وهؤلاء أثبتوا هذه النقطة العالمة العارفة محلاًّ ولم يجعلوا لها محلاًّ، فالشأن كل الشأن في تحقيق هذه النقطة التي هي عقدة