للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأيضًا فإنَّ اللهَ أمر بالجهادِ في سبيلِه بالنَّفْسِ والمال مع أنَّ الجهاد مَظنَّة القتل، بل لابُدَّ منه في العادة مِن القتل. وذَمَّ الذين يَنْكُلُون عنه خوف القتل، وجَعَلهم منافقين، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ) إلى قوله: (فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (١). وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧)) (٢).

فأخبر سبحانه أنَّ الفِرَار مِن الموتِ أو القتل لا ينفع، بل لابُدَّ أنْ يموتَ العبدُ، وما أكثرَ مَن يَفِرّ فيموت أو يُقْتَل، وما أكثرَ مَن ثَبت فلا يُقْتَل (٣).

ثمَّ قال: ولو عِشتْمُ لم تُمَتَّعوا إلا قليلاً ثمَّ تموتوا. ثمَّ أخبر أنَّه لا أحدَ يعصمهم مِن الله إن أرادَ أنْ يرحمهم أو يعذَبهم، فالفرار مِن طاعتِه لا يُنَجِّيهم. وأخبر أنه ليس لهم مِن دون الله وليّ ولا نصير.

وقد بيَّنَ في كتابه أنَّ ما يُوجبُه الجُبْنُ مِن الفرار هو من الكبائر الموجبةِ للنَّار، فقال: (إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥)


(١) سورة النساء: ٧٧ - ٧٨.
(٢) سورة الأحزاب: ١٥ - ١٧.
(٣) بعده في الأصل بعض الآيات السابقة والكلام المذكور في هذه الفقرة، فحذفناه.