للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله مِمَّا ليس كذلك.

والله سبحانه أمر إبراهيم بذبح ابنه قُربانًا ليَمْتَحِنه بذلك، ولذلك نسخ ذلك عنه لمَّا عَلِمَ صِدْق عَزْمِه في قتلِه؛ فإن المقصود لم يكن ذبحه لكن ابتلاءُ إبراهيم.

والله تعالى يبتلي المؤمنين ببذلِ أنفسِهم؛ ليُقْتَلوا في سبيل الله ومحبَّة رسوله؛ فإن قُتِلُوا كانوا شهداء، وإن عاشُوا كانوا سُعداء.

كما قال: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) (١).

وقد قال لبني إسرائيل: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ) (٢). أي ليَقْتُل بعضكم بعضًا. فألقَى عليهم ظلمة، حتى جَعَلَ الذين لم يعبدوا العِجْل يقتلون الذين عَبَدوه.

فهذا الذي كان في شرعِ مَن قبلَنا من أَمْرِهِ بقَتْل بعضهم بعضًا قد عَوَّضَنا الله بخيرٍ منه وأنفع؛ وهو جهاد المؤمنين عدو الله وعدوَّهم، وتعريضهم أنفسهم لأن يُقتلوا في سبيله بأيدي عدوِّهم لا بأيدي بعضهم بعضًا، وذلك أعظم درجة وأكثر أجرًا. وقد قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨)) (٣).


(١) سورة التوبة: ٥٢.
(٢) سورة البقرة: ٥٤.
(٣) سورة النساء: ٦٦ - ٦٨.