للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ربّ العبادِ إليك الوجهُ والعملُ

وأما من جهة الربوبية فهي مخلوقة، لكن بالقصد الثاني لأجل غيره، وليس هو أيضَا مرادًا بالإرادة الأولى، ولا مخلوقًا بالقصد الأول، فليس هو مضافَا إليه من جهة كونه شرَّا، إذ لم يقصده ويُرِدْه من هذه الجهة، ولكنِ من جهة ما هو وسيلة إلى الخير الذي هو يبدئه، كما قال تعالى: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١)، وقال: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (٢)، وهو لم يقل: الشر ليس بك ولا منك ولا من عندك، بل قد يُقال: كل من عند الله في الحسنات والسيئات، التي هي المسارّ والمصائب، كما قد بينته في غير هذا الموضع.

وقد يُعترض على هذا فيقال: قد فرق بينهما في قوله: (فمن الله) و (فمن نفسك) (٣) في هذه الآية، وفي قوله: (فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ) (٤) الآية، و (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ) (٥)، وقد قال تعالى: (وَمَا بِكُم من نعْمَةً فَمِنَ الله) (٦)، وقال: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً) (٧) ولم يقل في الشرّ مثل ذلك.


(١) سورة السجدة: ٧.
(٢) سورة النمل: ٨٨.
(٣) سورة النساء: ٧٩.
(٤) سورة النساء: ٧٢.
(٥) سورة النساء: ٧٣.
(٦) سورة النحل: ٥٣.
(٧) سورة هود: ٩.