للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما له في الدنيا ما يشبهه من بعض الوجوه، ثم قيل: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (١). وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:"يقول الله: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر". (٢)

ولهذا أخبر الله بوجود هذا النعيم واللذات في الجنة مع نفيه لما يقترن به في الدنيا من سبب وغاية، كما نفى عن الأشربة واللباس وغير ذلك آفاته، إذ هي دار نعيم لا آفة فيها بحال، فالتحاب بين الزوجين ونحوهما في الدنيا وإن أعقب لذةً مطلوبةً لنفسها، فليس أحدهما محبا للآخر لذاته، بل لقضاء الوطر منه، كما تقدم، وهو نوع من المعاوضة كالتعاوض بالأموال، ولهذا كان عقد النكاح يوجب المعاوضة من الطرفين، كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (٣)

فإن قيل: فالعشق الموجود، وهو محبة المعشوق لنفسه، وكما قد يتحابُّ الشخصان لذواتهما لا لأجل نكاح وتناسل، فيحبُّ كلّ منهما الآخر لنفسه.

قيل: هذا قصد فاسد، وحبّ فاسد، وإرادةٌ فاسدة، فإن كل من أحب مخلوقًا لنفسه لا لأمر آخر وراء ذلك، فحبه فاسد، وقصده


(١) سورة السجدة: ١٧.
(٢) أخرجه البخاري (٣٢٤٤) ومسلم (٢٨٢٤) من حديث أبي هريرة.
(٣) سورة البقرة: ٢٢٨.