للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاسد، ونحن إنما ذكرنا امتناع الدور الغائي لبيان فساد هذا ونحوه، وامتناع أن يكون لله ندٌّ يُحَبُّ كحبّ الله الذي تجب محبته لذاته، ونحن إذا قلنا: إن الدور في العلل الغائية ممتنع، كان المراد به أنه يمتنع أن يكون كل منهما مرادَاً مطلوبًا للَاخر محبوبَا للآخر بإرادة صحيحة، وقصد صحيح، ومحبة صحيحة، فأما الفاسد من الإرادة فهو نظير من يعتقد جواز كون كل من الشيئين علة للآخر، وقد منعنا أن يكون علة في نفس الأمر أو فاعلاً له في نفس الأمر، وإن كان من الناس من يعتقد أنه فاعل له ورب له، لكن هذا اعتقاد فاسد، فكذلك من ظن في شيء غيرِ الله أنه مقصود لنفسه، معبود لنفسه، محبوب لنفسه، حتى أحبَّه وعبدَه وعَشِقَه، فهذا أيضًا جاهلٌ في ذلك ضال فيه، كما أن الأول جاهل في ظنه أن غير الله رب. ولهذا لما تكلم الناس في العشق [هل] هو لفساد الإدراك، وهو تخيُّل المعشوق على خلاف ما هو به، أو لفسادٍ في الإرادة، وهو المحبة المفرطة الزائدة على الحق= كان الصواب أن العشق يتناول النوعين، وهو فساد في الإدراك والتصور، وفساد في الإرادة والقصد، ولهذا كان سُكْرًا وجنونًا ونحو ذلك مما يتضمن فساد الإدراك والإرادة، حتى قيل (١):

قالوا جُنِنتَ بمن تَهوى فقلتُ لهم ... العشقُ أعظمُ مما بالمجانينِ

ولهذا سماه الله مرضًا في قوله: (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) (٢)، ولهذا إنما يوجد كثيرًا في أهل الشرك الذين ليس في قلوبهم ما تسكن


(١) البيت لمجنون ليلى في ديوانه (ص ٢٨١) والأغاني (٢/ ٣٦) وغيرهما.
(٢) سورة الأحزاب: ٣٢.