للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن جميع الرسل بُعِثوا بالتوحيد والدعوة إلى عبادة الله وحده، كما قال تعالى في سورة هود بعد أن ذكر الأنبياء وأممهم ثم قال: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠)) الايات (١)، يُخبر تعالى فيها عن جميعهم بالشرك واتخاذ آلهة.

ولو لم يكن المستكبر يعبد غيرَ الله فإنه يعبد نفسَه ولا بدَّ، فيكون مختالاً فخورًا متكبرًا، فيكون قد أشرك بنفسه إن لم يشرك بغيره. وإبليس هو أول المستكبرين، قال تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)) (٢).

ومَن بَطِرَ الحقَّ فجحَدَه فإنه يضطرُّ إلى أن يُقِرَّ بالباطل، ومَن غمطَ الناسَ فاحتقرهم وازدراهم بغير حق فإنه يضطرّ إلى أن يُعظّم آخرين بالباطل، وهذا من الشرك. فمَن غَمَطَ الناسَ جَحدَ حقَّهم ليُعظم نفسه بذلك، وهذا هو الاستكثار والاختيال، فلا بدَّ له ممن يُعينه على استكباره واختياله للشرك به، وهو يفرح بمن يحمده ويثني عليه ويعظمه، ويَشْنَأ من يَذُمه ويُبغِضه ويعيبه، فيكون من أعظم رياء وسمعة، والرياء والسمعة من الشرك، فالمستكبر من أعظم الناس شركًا ورياءً وسمعةً. وإبليس هو الذي يُزيِّن كلَّ شركٍ وكلَّ كبرٍ لبني آدم، وينفخ في أحدهم حتى يتعاظم، ويدعوهم إلى الإشراك بالله ويأمرهم بذلك، كما قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ


(١) سورة هود: ١٠٠.
(٢) سورة البقرة: ٣٤.