للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ) (١). وهذا من أعظم الشرك بغير الله، وإن كان قد يشرك به أيضًا، فهو يجمع الإشراك بالله وبغيره ممن أطاعَ الخلقَ وعظَّمهم، فمن أطاعهم اقتدى بهم، ومن أطاع الرسلَ اقتدى بهم في توحيدهم وطاعتهم لربهم، ومن عصاهم ضلَّ، فجميع من عَصى الرسلَ ولم يقتدِ بهم فهو مشرك.

وقد استقرت الشريعة على أن كل من ليس من أهل الكتاب فهو مشرك يعبد ما يستحسن، كما يذكر الفقهاء ذلك في باب أخذ الجزية، فليس لأحدٍ أن يُخرِج أحدًا من هؤلاء عن الإشراك، وذلك لأن العبد هو حارث وهمَّام حسّاس متحرك بالإرادة، وليس كل مرادٍ مرادًا لغيره، بل لا بدَّ أن تنتهي الإرادة إلى مرادٍ لذاته هو المطاع المحبوب المعظم، وذلك هو إله العبد الذي يعبده. فكلّ من لم يكن الله إلهه الذي يعبده الذي هو منتهى قصدِه وإرادتِه، فلا بدَّ أن يكون مشركًا ينتهى قصدُه وإرادته إلى غيرِه، سواء كان مَلِكًا له أو وثنًا أو غيره.

ومن هذا الباب قول فرعون: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) (٢)، وقوله: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤)) (٣). ويُشبهه في ذلك من بعض الوجوه النمروذ وجنكزخان ملك المغل من الترك وأمثاله، فهؤلاء قومهم مشركون بهم، وقد قال تعالى في النصارى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)


(١) سورة الأنفال: ٤٧.
(٢) سورة القصص: ٣٨.
(٣) سورة النازعات: ٢٤.