للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصلِّي الهَجيرَ التي تَدعُونها الأولى". فجعلَ دعاءَها بهذا الاسم من قول المخاطَبين، لا من قول الشارع، كما قال: "وكان يُصلِّي العشاءَ التي تَدعُونها العَتَمَة"، مع أنّ تسمية هذه الصلاة بالعَتَمة وإن وردَ النهيُ عن ذلك (١) لئلَاّ يَغْلِب عليه، فقد وردَ فيه أحاديثُ صحيحةٌ لم يَرِدْ مثلُها في تسمية الظهر بالأولى.

وأما فعلُ جبريل فعنه جوابان:

أحدهما: أن ذلك كان ليلةَ المعراج حينَ فُرِضت الصلواتُ الخمسُ، ولم يكن المسلمون قد علموا بهذا الفرض حتى طلعَ النهارُ، فلما طلعَ أقامَ لهم الصلوات، فكان ابتدأ حينئذ بالظهر.

والثاني: أن ذلك كان متقدمًا قبل تكميل عدد الصلوات وأوصافها، وكانت الصلاة ركعتينِ ركعتينِ، ثمَّ إنّ الله بعد ذلك أكملَ عددَ الصلوات، وإنما أُخِذَ بالآخر من أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد قال: "المغربُ وِتْرُ النهار، فأوتروا صلاةَ الليل"، رواه أحمد (٢). ولو كانت الظهر أول الصلوات لم تكن الفجرُ داخلةً لا في وتر الليل ولا في وتر النهار.

وأيضًا فمعلوم أن أول النهار طلوعُ الفجر، فصلاةُ ذلك الوقت تكون أول الصلوات، والإنسان حينئذٍ يكون كالميت. ولهذا كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استيقظَ يقول (٣): "الحمد لله الذي أحيانَا بعدَ ما أماتَنا، وإليه


(١) أخرجه مسلم (٦٤٤) من حديث ابن عمر.
(٢) في المسند (٢/ ٣٠، ٣٢، ٤١، ٨٢، ١٥٤) عن ابن عمر.
(٣) أخرجه البخاري (٦٣١٢) عن حذيفة، ومسلم (٢٧١١) عن البراء.