للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أصحاب أحمد، وقد نصَّ أحمد على أن المسافر إذا صلَّى العشاء قبل غروب الشفق في السفر جاز، وجعله بذلك جامعًا. وليس مراده الأبيض، فإن الوقت يدخل في حق المسافر بغروب الشفق الأحمر عنده بلا ريب، وكذلك الحاضر، وإنما اختار للحاضر أن يؤخِّرها إلى مغيب الأبيض ليتيقن مغيبَ الشفق الأحمر عنده بلا ريب، لأن الجدران تُوارِي الحمرةَ في الحضَر دون السفر، وإن جوز أن يُصلِّي قبل مغيب الأحمر في السفر، لأن المسافر يجوز له الجمع، فلو أراد أن يُصلِّيها عقيبَ المغرب جاز، فإذا أخَّرها كان أولَى بالجواز، لأنه أقربُ إلى الوقت المختص، فكيف يَسُوغ أن يقال: يصلِّي في الوقت البعيد عن وقتها المختصّ دون المشترك.

وإذا قال قائل: إن ذلك لا يُسمَّى جمعا إلا مع الاقتران.

قيل: هذا لا يجوز الاحتجاج به لوجهين:

أحدهما: أن الشارع لم يُعلِّق الحكم بهذا اللفظ ولا معناه، ولكن دلَّ الشرع على جوازه.

الثاني: أن الجمع سُمِّي بذلك، لأنه جمعٌ بينهما في وقت إحداهما المختصّ، لا لاقتران الفصل، بدليل أنه لو جمعَ في وقتِ الثانية لم يجز (١) الاقتران بلا رَيْب، بل له أن يصلي الأولى في أول الوقت والثانية في آخره. وقد صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلةَ جَمْعٍ المغربَ قبلَ إناخةِ الرحال، ثمَّ أناخوها، ثمَّ صلَّى العشاءَ بعد ذلك بفصل بينهما.


(١) في الهامش: صوابه "لم يلزم" أو نحو ذلك.