ومعلوم أنّ قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} تعظيم لهذه الآية وتسبيح الربِّ الذي فعلها، والتسبيح يكون عند الأمور العجيبة العظيمة الخارجة عن العادة. ومعلوم أنّ عامة الخلق يرى أحدهم في منامه الذهاب من مكة إلى الشام، وليس هذا مما يُذكر على هذا الوجه من التعظيم، وهو سبحانه ذكر في تلك السورة ما يتمكّن الرسول من ذكر الشواهد ودلائله، فإنهم لمّا أنكروا الإسراء، وقد علموا أنه لم يكن رأى (١) بيتَ المقدس، فسألوه عن صفته لِيَبِين لهم هل هو صادق، فأخبرهم عن صفته خبرَ من عاينه، وأخبرهم عن عِير كانت لهم [ق ٤٧] بالطريق، ولو كان منامًا لما اشتدَّ إنكارهم له، ولا سألوه عن صفته، فإنَّ الرائي قد يرى الشيء في المنام على خلاف صفته.
{وَلَقَدْ رَأَىهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: ١٣ ــ ١٨] صريح في أنَّ بصره رأى ما رآه في الملأ الأعلى، وأنه ما زاغ بصره وما طغى. وقد ثبت أنّ جنة المأوى وسدرة المنتهى في السماء لا في الأرض، فإذا رأى بعينه ما هنالك امتنع أن