للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون ذلك منامًا، ودلّ ذلك على أنّ جسده كان هنالك، ولكنه سبحانه ذكر في سورة {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} لأنه مما ذكر له دلائله وشواهده (١) [و] ذلك تمهيدًا لما أخبر به عن رؤية ما رآه عند سدرة المنتهى، والقرآن يدلُّ على ذلك حيث قال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم:٥ ــ ٧]، كما قال في الآية الأخرى: {وَلَقَدْ رَأَىهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير:٢٣]، ثم قال في النجم: {وَلَقَدْ رَأَىهُ} أي رأى الذي رآه بالأفق الأعلى مرةً أخرى {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}.

وهذا قول أكثر السلف كابن مسعود وعائشة وغيرهما. وقالت طائفة منهم ابن عباس: إن محمدًا رأى ربه بفؤاده مرتين (٢). ولم يقل أحدٌ من الصحابة ولا من الأئمة المعروفين كأحمد بن حنبل وغيره: إنه رآه بعينه، ولا في أحاديث المعراج الثابتة شيء من ذلك، وقد نقل بعضهم ذلك عن ابن عباس، وقد نقلوه روايةً عن أحمد بن حنبل، وهو غلط على ابن عباس وعلى أحمد، كما بُسِطَ الكلامُ على هذا في غير هذا الموضع (٣)، ولكن جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث أنه رأى ربَّه في المنام


(١) كذا العبارة في الأصل.
(٢) أخرجه مسلم (١٧٦/ ٢٨٥).
(٣) انظر «مجموع الفتاوى»: (٦/ ٥٠٩)، و «جامع المسائل»: «١/ ١٠٥)، و «بغية المرتاد» (ص ٤٧٠).