للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا لم يذكر الله تعالى في كتابه إلا المساجد دون المشاهد فقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨]. ولم يقل: المشاهد. وقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: ١٨]. وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: ١١٤]. وأمثال ذلك.

وأصل دين الإسلام: أنهم ليس لهم بقعة يقصدونها بالعبادة فيها؛ إلا أن يكون مسجدًا. فليس من دينهم قصد مغارةٍ بجبل ولا أثر نبي ولا غير ذلك، ولكن جُعِلت الأرضُ كلها لهم مسجدًا. وبحكم العموم والإباحة فلهم أن يصلوا حيث شاءوا من غير قصد تخصيص بقعة إلا المواضع المنهي عنها (١) كأعطان الإبل والمقبرة والحمام.

ثم المساجد قد حرَّم الله عليهم أن يبتنوها على قبر، وأن يتخذوا القبر مسجدًا؛ فإن ذلك من أصول الشرك، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا} [نوح: ٢٣ - ٢٤] قال طائفة من السلف: هؤلاء كانوا


(١) الأصل: "عنه".