للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انحطت بعد هذا وانحطت ومالت قِيل: زالتْ، ويقال لها قبل الزوال: قد قام قائمُ الظهِيرة، فيُعَبر عن هذا بلفظ القيام، وعن آخرها يُلفَظ في الانحطاط بلفظ الزوال، كما يُعبَّر عنه بلفظ الاستواء، فيقال: استوتِ الشمسُ، وعند الزوال بالميل فيقالُ مالت الشمسُ؛ فكأن لفظ الزوال يَدُكُ على النقص بعد الكمال، والانخفاض بعد الارتفاع.

والذين أقسموا من قبل "ما لهم من زوال" لم يريدوا أنهم لا يموتون، فإن هذا لا يقوله أحد من العقلاء، ولكن ظنوا دوامَ ماهم فيه من الملك والمال، وأن ذلك لا يزول عنهم. وهذا باطل. ولهذا قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سُبقَتْ ناقتُه العَضْباءُ وكانت لا تُسْبَق، فجاء أعرابي على قَعُودٍ له فسَبقها، فقال رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّ حقًا على الله أن لا يُرفعَ شيءٌ من الدنيا إلاّ وَضَعَه" (١). فكلَّما ارتفع شيء من الدنيا فإن الله تعالى يضعه، وذلك من زوالِه.

والزائل الذي لم يكتسب به ما يدوم نفعه يُسمَّى باطلاً، فالموتُ حق والحياة باطلٌ، فإن الباطل ضدُّ الحق، والحقُّ يقال على الموجود، فيكون الباطلُ هو المعدوم. ويقال أيضًا على ما ينفع ويُنفَى نفعُه، فيكون الباطلُ اسمًا لما لا ينفع، أو لما لا يدومُ نفعُه. ومنه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل لهوٍ يَلْهُو به الرجلُ باطلٌ منه إلاّ رميه بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته، فإنهن الحقّ". رواه أبو داود وغيره (٢).


(١) أخرجه البخاري (٢٨٧٢) عن أنس.
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ١٤٤، ١٤٨) والدارمي (٢٤١٠) والترمذي (١٦٣٧) وابن ماجه (٢٨١١) من طريق عبد الله بن زيد الأزرق عن عقبة بن عامر. أما أبو داود (٢٥١٣) فأخرجه من طريق خالد بن زيد الجهني عن عقبة بلفظ مختلف.