إسْلافُهما في الموزونات من النحاس وغيره، ولو كان الربا جاريًا في النحاس لم يُبَع موزونٌ بموزونٍ إلى أجلٍ، كما لا يُباعُ تمرٌ بحنطةٍ ودراهمُ بدنانيرَ إلى أجلٍ، وهم يسلِّمون أن هذا خلاف القياس، والعلة إذا انتقضت من غير فرقٍ عُلِمَ أنها علة باطلة. وأيضًا فالتعليلُ بكونِه موزونًا أو مطعومًا عللٌ ليس فيها ما يُوجِب الحكم، بل طردٌ محض، كما بُسِط في غير هذا الموضع.
ولكن الدراهم والدنانير هي أثمان المبيعات، والثمن هو المعيار الذي به يُعرَف تقويمُ الأموال، فيجب أن يكون محدودًا مضبوطًا، لا تُرفع قيمته ولا تنخفض؛ إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسِّلعَ لم يكن لنا ثمنٌ نعتبر به المبيعاتِ، بل الجميع سِلَعٌ، والحاجة إلى أن يكون للناس ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة عامة، فإنه قد يحتاج إلى بيع ثمنٍ بغير إذنِ صاحبه، فلا يُباع إلا بثمن المثل، كتقويم الشِّقْصِ على من أعتقَ نصيبَه. والناسُ يشترون بالسعر شراءً عامًّا، فإنْ لم يكن سِعرٌ لم يُعرَف ما لبعضهم عند بعضٍ، وقد يُقوِّمون بينهم عُروضًا وغيرها ممن لا تعدل فيه الأنصباء إلَّا بالقيمة.
ففي الجملة الحاجةُ إلى التقويم في الأموال حاجة عامة، وذلك لا يمكن إلا بسعر تُعرَف به القيمة، وذلك لا يكون إلا إذا كان هناك ثمنٌ تُقوَّمُ به الأشياءُ وتُعتَبَر، وذلك إنما يكون إذا كان ذلك الثمن باقيًا على حالٍ واحدةٍ لا تزدادُ فيه القيمة ولا تنقُصُ.