{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: ٢٩]، فإن المشتري من صاحب التجارة يعلم أنه قد ربح عليه، وأن رأس المال مثلًا كان مئةً، وقد باعها بمئة وعشرة أو أقل أو أكثر، ولهذا يطلب المشتري من التاجر إخبارَه برأس المال لينظركم يربح عليه، وهذا بخلاف البائع الذي ليس بتاجر، كالذي حدثت على ملكه أو وَرِثَها أو وُهِبتْ له أو نحو ذلك.
وقد ثبت في الصحيح (١) أنهم كانوا إذا اشتروا الصبرة من الطعام نُهُوا أن يبيعوها في موضعها حتى ينقلوها؛ لأن هذا المشتري تاجرٌ إنما اشتراها ليربح فيها، فلا بدَّ أن يعمل فيها عمل التاجر، من نَقْلِها من مكان إلى مكان، أو حَبْسِها إلى حين يرتفع السعرُ، وأن يشتري جملةً ويبيع مفرقًا، ونحو ذلك. فأما إذا اشتراها وباعها في مكانها بربحٍ من غير أن يعمل فيها شيئًا فليس هذا بتاجر، وإن كانت صارت في ضمانه بتخلية البائع بينه وبينها.
فليس كل مضمون يُباحُ ربحُه، ولكن ما ليس بمضمونٍ لا يباحُ ربحُه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمنْ، والبائع قبل التمكن من القبض هو ضامن للمبيع، ولا يحل له ربحُه ونماؤه، بل ذلك للمشتري، وكذلك المشتري قبل كمال القبض وبعد التمكن منه هو ضامن، ولا يباحُ له ربحُه.