فإنه يربح فيما لم يضمن، فإنه لم يقبضه ولم يصر في ضمانه، والربح إنما يكون للتاجر الذي نفعَ الناسَ بتجارته، فأخذ الربحَ بإزاء نفعِه، فلم يأكل أموال الناس بالباطل. ولهذا لما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: ٢٩]، وهذا استثناء منقطع، فإن ربح التجارة ليس أكلًا بالباطل، بل بحق، وهو نفعُ التاجر للناس، فإذا كان له دينٌ وباعه من المدين بربح فقد أكل هذا الربح بالباطل، إذا كان لم يضمن الدَّين ولم يعمل فيه عملًا.
ولما جوَّز النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتضاء الذهب من الورِق والورق من الذهب بالسعر، مع أن الثمن دَينٌ في الذمة لم يقبض، دلَّ على جواز بيع الدَّين ممن هو عليه بالسعر، فجوَّز ذلك في جميع الديون دَين السَّلَم وغيرِه، كما جوَّزه ابن عباس وأحمد في إحدى الروايتين ومالك على تفصيلٍ له.
والذين قالوا: لا يجوز، كأبي حنيفة والشافعي والمشهور عن أحمد عند أصحابه، قالوا: لأنه بيع غير مقبوض، فلا يجوز بيعه قبل القبض وإن باعه ممن هو عليه، كما قالوا مثل ذلك في بيع الأعيان.