للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا استعمالٌ مطَّردٌ في القرآن، فتأمَّلْه تجدْه كما ذكرت لك.

وأمَّا قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦]، فإنَّه سبحانه لمّا دعاهم إلى التفكّر والتعبير وسمع أخبار مَن مضى من الأمم، وكيف أهلكهم الله تعالى بتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره، فقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: ٤٦].

قال ابن قتيبة (١): وهل شيء أبلغ في العظة والعبرة من هذه الآية؛ لأنَّ الله تعالى أراد أفلم يسيروا في الأرض فينظروا إلى آثار قومٍ أهلكهم الله تعالى بالكفر والعتو، فيروا بيوتًا خاوية قد سقطت على عروشها، وبئرًا يشرب أهلها منها قد عطّلت، وقصرًا بناه ملكهم بالشِّيد قد خلا من السكن وتداعى بالخراب، فيتّعظوا بذلك ويخافوا من عقوبة الله التي نزلت بهم.

ثم ذكر تعالى أنَّ أبصارهم الظاهرة لم تعمَ عن الذكر والرؤية، وإنّما عميت قلوبهم التي في صدورهم.

قيل: لمّا كانت العين قد يُعنَى بها القلب في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: ١٠١]، جاز أنْ يُعنَى بالقلب العين، فإنَّ الشيء إذا أشبه الشيء وأطلق عليه اسمه، جاز إطلاق اسم مشبهه عليه


(١) انظر: تأويل مشكل القرآن (ص ١٠).