للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضًا، لاسيما مع شدَّة اتصال العين بالقلب، فقيّد القلوب بذكر محلها دفعًا لتوّهم إرادة غيرها.

وأحسن من هذا أنْ يقال (١): إنَّه ذكر محل العمى الحقيقي الذي هو أولى باسم العمى من عمى البصر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (٢)، أي: هذا أولى بأنْ يكون شديدًا منه.

وقوله: «ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي تردُّه اللقمة واللقمتان، إنَّما المسكين الذي لا يجد ما يغنيه، ولا يُفطَن له فيتصدَّق عليه» (٣)، أي: هذا أولى باسم المسكين من الذي تسمّونه أنتم مسكينًا، ونظائر ذلك كثيرة.

أي: فعمى القلب هو العمى الحقيقي، لا عمى البصر، فأعمى القلب أولى أنْ يكون أعمى من أعمى العين، فنبّه سبحانه بقوله: {الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، على أنَّ العمى هو العمى الباطن في العضو الذي محلّه الصدر، لا العمى الظاهر في العضو الذي محلّه الوجه. والله تعالى أعلم بما أراد من كلامه.


(١) بنحو هذا قال ابن عطية في المحرر الوجيز (١١/ ٢٠٨، ٢٠٩).
(٢) أخرجه البخاري (٦١١٤) ومسلم (٢٦٠٩) عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري (١٤٧٩) ومسلم (١٠٣٩) عن أبي هريرة.