للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: ٣]، ففيه فائدة، وهي استغراق النفي؛ لأنّ حرف «من» للجنس، فإذا سلط النفي عليه مع مجروره أفاد استغراق النفي للجنس صريحًا؛ ولهذا لا يجوز أنْ يقابله بثبوت أكثر من واحد.

فلو قلت: [ما] من درهمٍ عندي بل درهمان، كنت [مبطلًا] لاغيًا.

ولو قلت: ما عندي درهم بل دراهم، لم يكن ذلك محالًا وكان كلامًا عربيًا.

فبدخول «من» يتعين استغراق النفي صريحًا فلا يحتمل تأويلًا، وبدونها غايته أنْ يكون ظاهرًا لا يناقضه إثبات المتعدد، ولا ريب أنَّ هذه فائدةٌ جليلةٌ زائدةٌ على النفي الخالي من هذا الحرف.

وأيضًا فقد قال سيبويه (١): ما من رجل في الدار، كأنه جواب لقول مَن قال: هل من رجل في الدار؟ فدخول «من» هنا يتطابق الجواب والسؤال، والله [سبحانه] وتعالى أعلم.

وأما قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: ٢٤]، فليس بتكرار، بل هي معانٍ متغايرة بينهما قدر مشترك، وبيانه أنَّ الإيجاد يتعلق بالمادة وبالصورة وبمجموعهما، فإنْ تعلق بالمادة فهو برؤه، ولا يقال للمصور: إنَّه بارئ باعتبار تصويره، وإنما البارئ من برأ الشيءَ من العدم إلى الوجود، وإنْ تعلق بالصورة فهو تصوير، ويقال


(١) الكتاب (٣/ ٢٠٥) ط. مؤسسة الرسالة.