وأما قوله سبحانه وتعالى:{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ}[النحل: ٥١]، فليس للتكرار والتأكيد المحض، وليس الموضع موضع تأكيد، بل لما كان النهي واقعًا على التعديد والاثنينية دون الواحد أتى بلفظ الاثنين.
لأنَّ قولك: لا تتخذ ثوبين، يحتمل النهي عنهما جميعًا، ويحتمل النهي عن الاقتصار عليهما. فإذا قلت: ثوبين اثنين، عَلِمَ المخاطب أنك نهيته عن التعدد والاثنينية دون الواحد، وأنك إنما أردت منه الاقتصار على ثوب واحدٍ.
فتوجه النهي إلى نفس التعدد والعدد، فأتى باللفظ الموضوع له الدال عليه، فكأنه قال: لا تُعدِّد الآلهة ولا تتخذ عددًا تعبد، إنما هو إلهٌ واحدٌ فلا تضُمَّ إليه غيره وتجعلهما اثنين فلا تكرار إذن.
وفيه معنى آخر، وهو أنْ تكون «اتخذ» هذه هي التي تتعدى إلى مفعولين، ويكون اثنين مفعولها الأول، وإلهين مفعولها الثاني، وأصل الكلام: لا تتخذوا [اثنين] إلهين، ثم قدم المفعول الثاني على الأول، ويدل على التقديم والتأخير أنَّ إلهين أخص من اثنين، واتخاذ اثنين يقع على ما يجوز وما لا يجوز، وأما اتخاذ اثنين إلهين فلا يقع إلا على ما لا يجوز، وقدم إلهين على اثنين إذ المقصود بالنهي اتخاذهما إلهين،