آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: ١٣٧]، فهنا قال:{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ}، وهناك قال:{لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}، فإنه لو آمن ثم كفر ثم آمن وتاب من رِدَّته قُبِلتْ توبتُه كما تقدَّم، فإن كَفَر وارتدَّ مرةً ثانيةً حَبِطَ الإيمان الذي غُفِر به ذلك الكفر، فيبقى عليه إثم الكفر الأول والثاني، فإذا ازداد كفرًا فأصرَّ إلى الموت لم يُغفَرْ له. وقد ذكر في أول السورة الذي ازداد كفرًا بعد الكفر الأول، فذكر الكفر الأول والمكرر إذا حصل معهما ازدياد، ولما قال هناك: لم تُقبل توبتُهم عند الموت كان هذا تنبيهًا على أن الثاني لا تُقبل توبتُه بطريق الأولى. ولما ذكر في الثاني أنهم آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا، كان مفهومه أنهم لو تابوا قبل الارتداد لَقُبِلَتْ توبتهم وإن كرروا الكفر. فدلَّ على أن قوله في الأولى:{ازْدَادُوا} أراد به الإصرار، فإنه لو لم يرد به الإصرار لكان من كفر بعد إيمانه وبقي مدةً ثم تابَ لم تُقبل توبتُه، وهذا خلاف قوله قبل ذلك:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران: ٨٩]، وخلاف مفهوم آية التكرير، ولو كان كل مرتد بقي مدةً لا تُقبَل توبتُه لم يحتج إلى التكرير.
فإن قيل: ازدياد الكفر أن يأتي مع الردّة بزيادة في الكفر يغلظ به الكفر، فتكون رِدَّتُه مغلَّظةً، كردّة مِقيَس بن صُبابة وعبد الله بن خَطَل