قيل: هذا من مسائل الاجتهاد، والكلام فيه مبسوط في غير هذا الموضع. والذين أتاهم العذابُ وبقي زمنًا حتى ماتوا، كقوم نوح لما شرع الماء يزيد لو تابوا كما تاب قوم يونس لقَبِلَ الله توبتَهم، لكن لم يتوبوا. وكذلك قوم عادٍ لما رأوا السحابَ فقالوا:{هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}[الأحقاف: ٢٤]، فهبَّت الريح سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسومًا، لم يتوبوا. وكذلك قوم صالح لما عقروا الناقة قال:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود: ٦٥] لم يتوبوا.
فإن قيل: فقد قال: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [الشعراء: ١٥٧ - ١٥٨].
قيل: وقد قال عن أحد ابنَي آدم: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[المائدة: ٣١]، ولم يكن هذا ندمَ توبة، كذلك أولئك قالوا: وقد يقال: كانوا موعودين بالعذاب إذا عقروها، وعذاب الدنيا لا يندفع بمثل هذه التوبة، فإن قوم موسى لما تابوا من عبادة العجل كانت توبتهم بقتل خلقٍ كثير منهم. وكذلك لما سألوا الرؤية جهرةً فأخذتهم الصاعقة وهم لم يتوبوا إلّا خوفًا من عذاب الدنيا.
أو يقال: كانت توبتهم من جنس توبة آل فرعون، إذا جاءهم العذاب