للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عندهم تثنيةٌ وقولٌ باثنينٍ أحدهما حالٌّ والآخر مَحَلّ، كما قال شاعرهم (١) يدعو على نفسه بالعبادات:

متى حِلْتُ عن قولي: أنا هي، أو أقُل ... ــ وحاشى لمثلي ــ: إنها فيَّ حَلَّت

ولا يرتضون أيضًا بالاتحاد في معيَّنٍ، أو الحلول فيه، كما تقوله النصارى في المسيح، وغالية الرافضة في أمير المؤمنين عليٍّ وبعض أهل بيته، وكما يقوله قومٌ من الضُّلَّال في الحاكم بمصر، أو الحلَّاج، أو يونس القُنَيِّي (٢)، وكما يقوله قومٌ في جميع المشايخ والأنبياء.

لا يرتضون قول من يقول بالاتحاد، أو الحلول في معيَّن، بل النصارى عندهم إنما كفروا للتخصيص، وإلا فلو أطلقوا وقالوا بالاتحاد في كلِّ شيءٍ لكانوا عارفين محقِّقين.

وكذلك عُبَّاد العجل والأصنام ما عبدوا إلا الله، لكن اقتصروا على بعض المَجَالِي (٣)، والعارفُ عندهم من يعبد جميع الأشياء ويسجدُ لها.

وليس للربِّ عندهم حقيقةٌ سوى حقيقة العبد، قال شاعرهم:


(١) ابن الفارض في قصيدته "نظم السلوك"، ديوانه (٤٩).
(٢) الأصل: "القنيني". تحريف. وهو يونس بن يوسف الشيباني المخارقي، شيخ الطائفة اليونسية، توفي سنة ٦١٩. ونسبته إلى القُنَيَّة، تصغير قناة، قرية من نواحي ماردين. انظر: "وفيات الأعيان" (٧/ ٢٥٧)، و"تاريخ الإسلام" (١٣/ ٥٩١). وتتحرف إلى: القنيني، العنيني، القتي. انظر: "مجموع الفتاوى" (٢/ ٢٩٦، ٤٤٨، ٣/ ٣٩٥).
(٣) المظاهر، جمع مَجْلَى. وهي من ألفاظ متصوفة الاتحادية، ثم شاعت.