للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحصُل باختيارك في طاعة الله أنت جلبتَه على نفسك باختيارك طاعة الله، فليس هو كمن أوذِي بغير اختياره، فإن ذلك [أذاه] (١) مصيبةٌ محضة، ولكن هي حقٌّ له على الظالم.

وأما الذي حصل له أذًى باختياره، فإن كان من الله، كالجوع والعطش، فهذا أجره فيه على الله.

وإن كان من عدوِّه، كشَتْمِه، وضربه، وإخراجه من داره، وأخذِ ماله، ولعنِه، وسبِّه، وكذبه عليه، ونحو ذلك، فهذا النوع أعظمُ الأذى أجرًا؛ فإن هذا من الله، وفي سبيل الله، وفيه حقُّ الله والآدمي:

أما حقُّ الله، فلكونهم فعلوا ذلك بسبب طاعته؛ فإن هذا فِعلُ من يَصُدُّ عن طاعة الله ويأمر بمعصية الله.

وأما حقُّ الآدمي، فلكونه أوذِي بغير حقٍّ، كما قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: ٣٩ - ٤٠].

وهذا أعظمُ ما يؤجرُ عليه المؤمن من المصائب.

وهي من أعظم النعم في حقِّه إذا رُزِقَ الصبر والشكر؛ فإنَّ شُكر مثل هذه يتوقفُ على كونه يعرفُ الإيمان، ويعرفُ أنه نعمة، ويعرفُ أن الأمر به وجهاد مخالفه نعمة، ويعرفُ أن أذاه في ذلك نعمة (٢).


(١) من "تسلية أهل المصائب" (١٧٥).
(٢) وشيخ الإسلام - رحمه الله - كثير الاعتراف بأن ما أصابه من الأذى في سبيل الله هو من نعم الله عليه، كما تراه في رسائله التي كتبها إبان حبسه في الاسكندرية وقلعة دمشق وغيرها، وسبق بعضها (ص: ٢٣٩، ٢٤٩)، وانظر: "مجموع الفتاوى" (٣/ ٢٤٩، ٢٨/ ٣٠، ٤٧، ٥٧، ٦٥٦)، و"العقود الدرية" (٣٤٧، ٤٣٨، ٤٤١).