للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعرفة هذه النعم والعملُ بها إنما هو لخواصِّ العِبَاد؛ فإن كثيرًا من الناس لا يعرفُ النعمة إلا ما يتلذَّذ به من دنياه، كما قال بعض السَّلف: "من لم يعرف نعمة الله إلا في مطعمه ومشربه، فقد قلَّ علمُه وحضر عذابُه" (١).

وهؤلاء منهم من يرى النعمة في بدنه فقط، كالأكل (٢)، والشرب، والنكاح. ومنهم من يرى النعمة في الرياسة، والجاه، ونفاذ الأمر والنهي، وقهر الأعداء. ومنهم من يرى النعمة في جمع الأموال والقناطير المقنطرة.

وهؤلاء من جنس الكفَّار، بل الكفَّار يرون هذه نعمًا، ويعلمون أن الله أنعمَ بها.

وأعلى من هؤلاء من يرى النعمة في الإيمان والعمل الصالح، لكن لا يرى الأمر بذلك والجهادَ عليه نعمةً، بل يرى هذا فيه من المضارِّ ما يوجبُ تركَه.

والذين يرون هذا نعمةً منهم من لا يراه نعمةً إلا مع الغنيمة والسلامة، فمتى كان غالبًا لعدوِّه، غانمًا لماله، عدَّ ذلك نعمةً، وإن جُرِحَ، أو قُتِل بعض أولاده، أو أُخِذَ مالُه، عدَّ ذلك مصيبةً لا نعمة.


(١) أخرجه أحمد في الزهد (٧١٢)، وابن أبي الدنيا في "الشكر" (٩٢) وغيرهما عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (٣٩٧)، وابن جرير في التفسير (١٧/ ٤٩٣، ١٩/ ٣٧٧) عن الحسن.
(٢) "تسلية أهل المصائب" (١٧٥): "بالأكل".