للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحديثُ بني قريظة يجيبُ عنه أهلُ القول الأول بجوابين، وأهلُ الثالث بجوابٍ واحد.

وأهل القول الثاني يجيبون عن حديث الخندق بأنه يدلُّ على الجواز، ونحن نقول به.

وأما أهل القول الثالث، فيحتجُّون في جواز التأخير بخبر بني قريظة، يقولون: إنما لم يَذُمَّ المتقدِّمين، لأنهم كانوا مجتهدين مخطئين.

وأهل القول الأول يقولون: جواز التأخير منسوخ، كما دلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّة، ولهذا كان أكثر الفقهاء عليه.

وعلى كلِّ قول، فمصلحة الجهاد الواجب مأمورٌ به (١)، لا يجوز أن يُفَوَّتَ الجهادُ المتعيِّنُ لا لصلاةٍ ولا غيرها، بل إما أن تُخَفَّف الصلاة، وإما أن تؤخَّر.

ولهذا قال عمر: "إني لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاة" (٢)؛ لأن ذلك كان من باب الجهاد الواجب عليه، فلم يكن ليدَعَه لأجل الاشتغال بالصلاة، كحال المصلِّي وقت المُسَايَفَة والخوف، فإنه لا يكونُ كحاله عند الأمن (٣)، ولهذا قال تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٣٩].


(١) كذا في الأصل.
(٢) علَّقه البخاري في صحيحه (٢/ ٦٧)، ووصله ابن أبي شيبة (٨٠٣٤) بسند صحيح. وانظر: "فتح الباري" (٣/ ٩٠)، و"تغليق التعليق" (٢/ ٤٤٨).
(٣) انظر: "مجموع الفتاوى" (٢٢/ ٦٠٩)، ومختصر الفتاوى المصرية (٦٦).