للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لفوات [شرط].

فيُعْلَمُ حينئذٍ أن الانتفاء إنما هو لانتفائها، وإلا فلو كانت موجودة، والموانع زائلة، والشُّروط حاصلة، لوجب وجودُ المعلول. فانتفاءُ اللازم دليلٌ على انتفاء الملزوم، ووجودُ المعلول يدلُّ على وجود العلَّة التامة، فتدخل فيه الشُّروط وضد (١) الموانع.

لكن إذا لم يكن للحكم إلا علةٌ واحدةٌ عُلِم وجودُها بعينها، وإن كان له علَّتان فصاعدًا دلَّ على وجود إحداهنَّ أو جميعهنَّ.

وإن عُلِم أن له علَّة (٢)، وجاز أن يكون له علَّةٌ أخرى، لم نقطع بوجود تلك العلَّة المعدومة، لكن هل يُحْكَمُ بوجودها ظاهرًا؟

وكذلك لو عُلِم وجودُ العلَّة الواحدة، ووُجِد الحكم، وجاز أن يكون قد وُجِد بغيرها، فهل يضيفُه إلى ما عُلِم وجودُه أو يتوقَّف فيه؟ قولان للفقهاء، وأصحُّهما أنا نضيفه إلى تلك العلَّة. ويُسْتَدلُّ بوجود المعلول على وجودها؛ عملًا بالأصل الباقي الذي لم يعارضه ما يضعفه.

وعلى هذا ينبني: لو جَرَحَ صيدًا غاب عنه ثم وجده ميتًا، فهل يحالُ موتُه على جرحه، فيباحُ إن كان حلالًا ويجبُ الضمانُ إن كان محرَّمًا، أو يتوقفُ فيه؟ على خلافٍ مشهور بين الفقهاء، وهي مسألة الإصماء والإنماء (٣).


(١) كذا في الأصل. ولعل الصواب: وتنفى.
(٢) الأصل: "انه عله". والمثبت أشبه.
(٣) الأصل: "والايماء". تحريف.
وفي المسألة حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلًا قال له: إني أرمي الصيد فأُصْمِي وأُنْمِي، فقال: "ما أصميتَ فكُل، وما أنميتَ فلا تأكل". والإصماء ما رأيته، والإنماء ما توارى عنك. أخرجه عبد الرزاق (٨٤٥٥)، وابن أبي شيبة (٢٠٠٣٧) بسند صحيح، ويروى عنه من وجوه أخرى.
وروي مرفوعًا، ولا يصحُّ. انظر: "البدر المنير" (٩/ ٢٦١).

وانظر لخلاف الفقهاء: مختصر "اختلاف العلماء للطحاوي" (٣/ ١٩٥)، و"تفسير القرطبي" (٦/ ٧١)، و"المغني" (١٣/ ٢٧٦).