للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم مِن هذا ينحلُّ الإشكال المشهور، وذلك أن الشَّرط اللفظيَّ الذي هو سببٌ معنويٌّ إذا انتفى فإنه ينتفي ذلك المعلول المعيَّن قطعًا، وينتفي أيضًا نوع المعلول إذا لم تَخْلُفْه علةٌ أخرى، فإن خَلَفَتْه علةٌ أخرى لم ينتفِ النوع، بل قد يوجد منه غيرُ ما انتفى، وقد يكون عدمُ إحدى العلتين دليلًا على ثبوت المعلول؛ لدلالة عدمها على ثبوت العلَّة الأخرى، كما تقدَّم؛ لأن الحكم الواحد بالنوع قد تكون له علَّتان باتفاق العقلاء من الفقهاء وغيرهم.

فإذا كان أهل اللسان يفهمون من قولهم: "لو زرتنا لأكرمناك" أن الزيارة علةٌ للإكرام، وأنها معدومة، فقد ينضمُّ إلى هذه المقدِّمة السَّمعيَّة مقدِّمةٌ أخرى عقليَّة، وهو أن عدم العلَّة يدل على عدم المعلول، كما فصَّلناه.

فيعقلون من ذلك انتفاء ذاك الإكرام المعيَّن، وقد يفهمون انتفاء الإكرام مطلقًا إذا غلب على ظنِّهم أن لا سببَ للإكرام إلا الزيارة، بالأصل النافي أو بالقرائن ونحوها من الدَّلائل.

ثم لما كان الغالبُ أن العلَّة إذا انتفت انتفى معلولها؛ إذ غالبُ الكلام يكون في نوع حكمٍ ليس له إلا علَّةٌ واحدة، وغيرُه من الأنواع قد عُلِم أنه منتفٍ في ذلك المقام = صار هذا الغالبُ كأنه من جملة معناها، وليس هو من معناها في أصل وضعها، ولا في جميع موارد استعمالها، وإنما هي دالةٌ عليه بالالتزام العقلي [الذي] أبديتُه لك.

ولهذا يُسْتَعْمَلُ كثيرًا مع عدم الدَّلالة على انتفاء المعلول الذي هو الجزاء، كما سيأتي، ومحالٌ أن يوضعَ لنفي المعلول وثبوته معًا.