الجويني يوماً، فانجرَّ الكلام إلى ذكر القطب والنجباء والنقباء والأبدال وغيرهم، فبادر الشيخ إلى إنكار ذلك بغلظة، وقال: هذا كله لا حقيقة له، وليس فيه شيء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال له الهيتمي:"معاذ الله! بل هذا صدقٌ وحق لا مريةَ فيه، لأنّ أولياء الله أخبروا به، وحاشاهم من الكذب، وممن نقل ذلك الإمام اليافعي، وهو رجل جمع بين العلوم الظاهرة والباطنة"، فزاد إنكار الشيخ وإغلاظه عليه. ثم ذهبا إلى الشيخ زكريا الأنصاري الذي عاتب الجويني عليه، فآمن الجويني بذلك وصدَّق به وأقرَّ بثبوته!! هذا نموذجٌ مما كان يجري بين الفقهاء في هذا الموضوع، فلا يَسَعُ المنكرَ إنكارُ ذلك، ويضطرّ إلى الإيمان به والتصديق به والإقرار بثبوته إذا أراد أن يعيش بينهم. وعلى هذا فلا نستغرب أن يُدخِلَ بعض المؤلفين هذا الموضوع في كتب العقيدة، كما فعل إبراهيم اللقاني في "عمدة المريد لجوهرة التوحيد"، ويتكلم عنه المؤلفون في السيرة النبوية ويعتبروا وجود الأقطاب والأبدال من خصائص الأمة المحمدية، كما فعل القسطلاني في "المواهب اللدنية"(١/ ٤٣٠ - ٤٣١)، والحلبي في "السيرة الحلبية"، وابن التلمساني في "حواشي الشفا"، والزرقاني في "شرح المواهب اللدنية"(٥/ ٣٩٦ - ٤٠١) وغيرهم.
بهذا العرض الموجز نستطيع أن نقدّر كم تكدَّرت ينابيع الثقافة الإسلامية بهذه الفكرة الخرافية التي لا أساس لها من الكتاب والسنة، ولم يقل بها أحد من سلف الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم.