للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموضوع، فذكر أن التحقيق في هذا الباب أن العلة قد تطلق على العلّة التامة المستلزمة لمعلولها بحيث يمتنع تخلف الحكم عنها، فهذه لا يتصور تخصيصها ونقضها، ومتى انتقضتْ بطلتْ. وقد يُراد بالعلّة ما كان مقتضيا للحكم، أي أن فيها معنًى يقتضي الحكم ويطلبه وإن لم يكن موجباً، وتُسمَى المؤثّرة أو المقتضية أوّلاً، فهذه إذا انتقضت لفرقٍ مؤثر يُفرق به بين صورة النقض وغيرها من الصور لم تَفسُد. فمن قال: إنّ العلة لا يجوز تخصيصها مطلقاً لا لفواتِ شرطٍ ولا لوجود مانعٍ فهو مخطئٌ قطعاً، وقوله مخالف لإجماع السلف، فكلهم يقولون بتخصيص العلّة لمعنًى يُوجِب الفرق.

ومورد النزاع في الاستحسان هو تخصيص العلّة بمجرّد دليلٍ لا يُبيِّن الفرقَ بين صورة التخصيص وغيرها، وهذه العلَّة إمّا أن تكون مستنبطةً أو منصوصةً:

أ- فإن كانت مستنبطةً وخُصَّت بنصٍّ، ولم يبيّن الفرق المعنوي بين صورةِ التخصيص وغيرِها، فهذا أضعف ما يكون. وهذا هو الذي كان يُنكرِه كثيراً الشافعي وأحمد وغيرهما على من يفعله من أصحاب أبي حنيفة. لأن العلَّة المذكورة لم تُعلَم صحّتُها إلاّ بالرأي، فإذا عارضَها النصُّ كان مُبطِلاً لها، والنصُّ إذا عارضَ العلَّة دلَّ على فسادِها، كما أنه إذا عارض الحكم الثابت بالقياس دلَّ على فساده.

ب- وإن كانت منصوصة، وقد جاء نصن بتخصيص بعض صُور العلَّة، فهذا مما لا ينكره أحمد والشافعي وأصحابهما. كما إذا جاء نصّ في صورة، ونصّ يخالفه في صورةٍ أخرى، لكن بينهما