فهم تارةً ينكرون صحَّة القياس الذي خالفوه لأجل الاستحسان، وتارةً ينكرون مخالفة القياس الصحيح لأجل ما يدّعونه من الاستحسان الذي ليس بدليل شرعي، وتارةً ينكرون صحة الاثنين، فلا يكون القياس صحيحاً، ولا يكون ما خالفوه لأجله صحيحاً، بل كلاهما ضعيف.
وبعدما انتهى المؤلف من بيان حقيقة الخلاف في هذه القضية عقد فصلاً لدراسة تلك المسائل التي يدّعون فيها أنها تَثبُت على خلاف القياس الصحيح، أو أن العلَّة الشرعية الصحيحة خُصَّتْ بلا فرق شرعي من فوات شرط أو وجود مانع، أو أن الاستحسان الصحيح يكون على خلاف القياس الصحيح من غير فرق شرعي.
فذكر أن الأمر بخلاف ذلك كما قاله أكثر الأئمة: الشافعي وأحمد وغيرهما، وإن كان الواحد من هؤلاء قد يُناقض نفسه أيضًا فيخصّ ما يجعله علَّةً بلا فارق مؤثر، كما أنه يقيس بلا علّةٍ مؤثرة.
وكان قصده من ذلك ضبط الأصول الكلية المطردة المنعكسة، وبيان أن الشريعة يى فيها تناقض أصلاً، والقياس الصحيح لا يكون خلافه إلاّ تناقضا. وبعد دراسة كل مسألة من هذه المسائل الاستحسانية ذكر أنها ليست مخالفةً للقياس أصلاً، أو أن هناك فرقاً مؤثراً، أو أن الاستحسان فيها ليس صحيحاً بسبب عدم وجود فارق مؤثر.
هذا تحليل موجز لمباحث الكتاب، وخلاصة رأي المؤلف في الاستحسان، وبهذا نعرف أنه تناول هذه المسألة بطريقةٍ جديدة، ولم يوافق على ما قاله عامة الأصوليين إنّ الخلاف فيها لفظي، فقد حرّر