الاستحسان الصحيح عدولاً عن قياس صحيح، والقياس الصحيح لا يجوز العدول عنه بحال. هذا هو الصواب كما قرَّره المؤلف في رسالته في معنى القياس أيضًا.
وتنبني عليها مسألة أخرى ذكرها الأصوليون وفضَل المؤلف الكلام حولها، وهي مسألة القياس على صور الاستحسان المعدول بها عن سنن القياس، وهي من جنس تخصيص العلَّة والاستحسان، فمن جوَّز التخصيص والاستحسان من غير فارق معنوي قال: المعدول به عن سنن القياس لا يجب أن يكون لفارقٍ معنوي، فلا يقاس عليه، وهم أصحاب أبي حنيفة. أما أصحاب مالك والشافعي وأحمد فقالوا: إذا عُرِف المعنى الفارق الذي لأجله ثبت الحكم فيها يجوز القياس عليها.
وما ذُكر فيه أنه خالف القياس في صور الاستحسان، فلابدّ أن يكون قياسه فاسداً، أو يكون تخصيصه بالاستحسان فاسداً إذا لم يكن هناك فارقٌ مؤثر. هذا هو الصواب في هذا الباب، وهو الذي ينكره الشافعي وأحمد وغيرهما على القائلين بالقياس والاستحسان الذي يخالفه، فإنهم لا يأتون بفرقٍ مؤثر بينهما.
وحقيقة هذا كلّه أنه قد يثبت الحكم على خلاف القياس في نفس الأمر، فمن يقول بالاستحسان من غير فارقٍ مؤثر، وبتخصيص العلة من غير فارق مؤثر، وبمنع القياس على المخصوص من جملة القياس-: يثبت أحكاماً على خلاف القياس الصحيح في نفس الأمر. وهذا هو الاستحسان الذي أنكره الشافعي وأحمد وغيرهما،