أن العلَّة باطلة، فإن الشارع حكيم عادل لا يفرّق بين المتماثلين، فلا تكون الصورتان متماثلتين ثم يخالف بين حكميهما. فإنْ علم أنّه فرَّق بينهما كان ذلك دليلاً على افتراقهما في نفس الأمر، وإن لم يُعرَف الفرق. وإن عُلِم أنه سوى بينهما كان ذلك دليلاً على استوائهما.
وإن لم يُعلَم هذا ولا هذا لم يجز أن يجمع ويُسَوّى إلاّ بدليلٍ يقتضي ذلك.
وأحمد إنما قال بالاستحسان لأجل الفارق بين صورة الاستحسان وغيرها، وهذا من باب تخصيص العلّة للفارق المؤثر، وأنكر الاستحسان إذا خُصَّت العلَّة من غير فارقٍ مؤثرٍ، فإن مثل هذا الاستحسان المعدول به عن القياس المخالف له يقتضي فرقاً وجمعاً بين الصورتين بلا دليل شرعي.
توضيح ذلك: أن القياس إذا لم ينصّ الشارع على عقته، ولكن رأى الرائي ذلك لمناسبة أو مشابهة ظنَّها مناط الحكم، ثمَ خص من ذلك المعنى صوراً بنص يعارضه كان معذوراً في عمله بالنصّ، لكن مجيء النصّ بخلاف تلك العلّة في بعض الصور دليل على أنها ليست علّةً تامةً قطعاً، فإنّ العلَّة التامة لا تقبل الانتقاض.
وإن كان مورد الاستحسان أيضًا معنى ظنه مناسباً أو مشابهاً، فانه يحتاج حينئذٍ إلى إثبات ذلك بالأدلة الدالة على تأثير ذلك الوصف. فلا يكون قد ترك القياس إلاّ لقياسٍ أقوى منه، لاختصاص صورة الاستحسان بما يوجب الفرق بينها وبين غيرها، فلا يكون حينئذٍ لنا استحسان يخرج عن نص أو قياس. وعلى هذا فلا يكون