شاملة لجميع الأحكام، ولو أُعطِي حقُّها من المعرفة والفهم لدلَّت على جميع الأحكام. ويعتبر القياس دليلاً صحيحًا آخر يوافق دلالة الظاهر والتعليل الصحيح.
وقد تكلم شيخ الإسلام في هذا الموضوع في مواضع أخرى من كتاباته وفتاواه، فذكر في فتوى له (١) أن الناس تنازعوا في ذلك: فقوم زعموا أن أكثر أحكام أفعال العباد لا يتناولها خطاب الشارع، بل تحتاج إلى القياس، وقوم زعموا أن جميع أحكامها ثابتة بالنص، وأسرفوا في تعلقهم بالظاهر حتى أنكروا فحوى الخطاب وتنبيهه. وقوم يقدمون القياس تارةً، لكون دلالة النص غير تامة أو لكونه خبر الواحد، وقوم يعارضون بين النص والقياس، ويقدمون النص ويتناقضون. ونحن قد بينا في غير هذا الموضع أن الأدلة الصحيحة لا تتناقض، فلا تتناقض الأدلة الصحيحة العقلية والشرعية، ولا تتناقض دلالة القياس إذا كانت صحيحة، ودلالة الخطاب إذا كانت صحيحة. فان القياس الصحيح حقيقته التسوية بين المتماثلين، وهذا هو العدل الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل.
وفي الكتاب الذي بين أيدينا قرر المؤلف أن قياس الجمع والفرق يكون بالأوصاف المعتبرة في الشرع، وهذا كله من الميزان الذي أنزله الله مع رسله كما أنزل الكتاب، وإذا ثبت أن الكتاب
(١) "مجموع الفتاوى" (٢٢/ ٣٣١ - ٣٣٢). وذكر في "منهاج السنة" (٦/ ٤١١ - ٤١٢) مذاهب الناس في هذا الباب.