للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكانت منها طائفة قَبلَتِ الماء فأنبتتِ الكَلأَ والعُشْبَ الكثيرَ؛ وكانت منها طائفة أَمْسًكتِ الماءَ، فشَرِبتِ الناسُ وسَقَوْا وزَرَعُوا؛ وكانت منها طائفة إنّما هي قِيْعَان، لا تُمسِكُ ماءً (١)، ولا تُنبِتُ كَلأً. فذلك مَثَلُ مَن فَقُهَ في ديِن الله، ونفعَه ما بَعثَني اللهُ به من الهدى والعلم، ومَثَلُ مَن لم يَرْفع بذلك رأسًا، ولم يَقْبَل هُدى الله الذي أُرسِلْتُ به ".

فضربَ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث مثلَ ما جاءَ به بالماء الذي يَنزِلُ على الأرض، وشَبَّه القلوبَ بالأرض، والهدى والعلم الذي أنزله الله تعالى بالماء الذي نزل على الأرض، وجعلَ الناسَ ثلاثة أقسام: قسمًا سمعوا وفقهوا وعلموا، وقسمًا حفظوه وبَلَّغُوا غيرَهم فانتفعوا به، وقسمًا لا هذا ولا هذا.

هذا المثل يُطابق المثلَ الذي في القرآن (٢)، حيثُ شبَّه الله القلوبَ بالأودية التيَ منها كِبار تَسَعُ ماءً كثيرًا، وصغار لا تَسَعُ إلاّ ماءً قليلا، كما أن القلوبَ منها ما (٣) تَسَعُ علمًا عظيمًا، ومنها ما لا تَسَعُ إلاّ دُونَ ذلك، وأن الماءَ بمخالطة الأرض يحتمل زبداً رابيًا لا


(١) ع: "الماء".
(٢) في الآية التي سبق ذكرها، وهي قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧)) [سورة الرعد:١٧]. (وانظر "مجموع الفتاوى" (١٠/ ٧٦٦).
(٣) "ما، ساقطة من ع.