للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تربية الناس وكونهم يُرَبُّونهم، وهذه النسبة تختص بهم. وأما نسبتهم إلى الربّ فلا اختصاص لهم بذلك، بل كلُّ عبدٍ فهو منسوبٌ إليه. ولم يُسمِّ الله تعالى أولياءه المتقين ربانيين، ولا سَمَّى أنبياءه والرسلَ ربانيين، فإن الربَّانيِ من يَرُبُّ الناسَ كما يَرُبُّ الرَّبَّانُ السفينةَ. ولهذا كان الربانيون يُذمُّون تارةً ويُمدَحون أخرى، ولو كانوا منسوبين إلى الربّ بأنهم عرفوه وعبدوه لم يكونوا مذمومين قطُّ، وهذا هو الوجه السابع:

أن نسبتهم إلى الرب إن جُعِلَتْ مدحًا فقد ذمَّ الله الربانيين في موضعٍ آخر، وإن لم تُجعَل مدحًا لم يكن لهؤلاء خاصَّةٌ يمتازون بها من جهة المدح. وإذا كان الربَّاني منسوبًا إلى ربَّان السفينة لا إلى الربّ بَطَلَ قولُ من يجعل الربَّانيَّ منسوبًا إلى الربّ، فنسبة "الربيون" إلى الرب أولى بالبطلان.

الثامن: أنه إذا قُدِّر أنهم منسوبون إلى الرب فهذه النسبة لا تدلُّ على أنهم علماء، نعم تدلُّ على إيمان وعبادة وتألُّهٍ، قاله ابن فارس. وهذا يَعُمُّ جميع المؤمنين، فكلُّ من عبدَ الله وحدَه لا يُشرِك به شيئًا فهو متألِّهٌ عارفٌ بالله.

والصحابة كلُّهم كانوا يعبدون الله وحدَه لا يُشركون به شيئا، وكانوا متألهين عارفين بالله، ولم يُسَمَّوا "ربيون" ولا "ربَّانيون"، وإنما جاء عن منذر الثوري قال: قال محمد بن الحنفية لما مات ابن عباس: اليوم ماتَ ربَّانيُّ هذه الأمة (١)، لكونه كان يُؤدِّبهم بما أعطاه الله من


(١) أخرجه الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (١/ ٥٤٠) بهذا الطريق. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (٢/ ٣٦٨) والبلاذري في "أنساب الأشراف" (٣/ ٥٤) والحاكم في "المستدرك" (٥/ ٥٤٣) من طريق آخر عن ابن الحنفية بنحوه.