للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعمل غيرِه فهذا شيء آخر، كما أنه يَنْعَم بعمل غيرِه لشيء آخر لا ينافي قولَه (وَأَن ليَس لِلإِنسَانِ إلا مَا سَعَى) (١).

ومن الناس من تأوَّل على ما إذا لم يَنْهَ عنه مع اعتيادهم له، فيكون ذلك إقرارًا للمنكَر يُعذَّب عليه. وهؤلاء ظنُّوا أنّ عذابَ الميت عقوبةٌ، والعقوبة لا تكون إلا على ذنب، فاحتاجوا أن يجعلوا للميت ذنبًا يُعاقَب عليه، وليس كذلك، بل العذاب قد يكون عقابًا على ذنب، وقد لا يكون. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "السفر قطعةٌ من العذاب" (٢).

والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقل: إنه يعاقب، بل يُعذَّب.

وقد جاء ذلك مفسرًا، كما رواه البخاري في صحيحه (٣) عن النعمان بن بشير قال: أُغْمِيَ على عبد الله بن رواحة، فجعلتْ أختُه تبكي واجبلاه! واكذا واكذا! تعدّ عليه، فقال حين أفاق: ما قلتِ شيئًا إلا وقد قيل لي: أنت كذلك؟ فلما مات لم تَبْكِ عليه.

وعن أبي موسى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إنّ الميتَ يُعذَّب ببكاء الحيّ، إذا قالت النائحةُ: واعَضُداه! واناصراه! واكاسياه! جُبذَ الميتُ وقيل له: أنت عضدها؟ أنتَ ناصرُها؟ أنت كاسيها؟ ". رواه الإمامَ أحمد في المسند (٤).

وروى الترمذي (٥) عن أبي موسى أن رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من


(١) سورة النجم: ٣٩.
(٢) أخرجه البخاري (١٨٠٤، ٣٠٠١، ٥٤٢٩) ومسلم (١٩٢٧) عن أبي هريرة.
(٣) برقم (٤٢٦٧).
(٤) ٤/ ٤١٤. وأخرجه أيضًا الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٤٧١). وفي إسناده زهير بن محمد، هو أبو المنذر الخراساني الشامي، وهو ضعيف. ولكن تابعه عبد العزيز الدراوردي عند ابن ماجه (١٥٩٤).
(٥) برقم (١٠٠٣).