للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صار أحدهم ليس في نفسه إله إلا الله خَلَصَ من شرك المشركين، فإن أكثر بني آدم كما قال تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)) (١)، فهم يُقِرُّون أنه ربّ العالمين لا ربّ غيرُه، ومع هذا يُشرِكون به في الحبِّ أو التوكُل أو الخوف أو غير ذلك من أنواع الشرك.

وأما التوحيد أن يكون الله أحبَّ إليه من كلّ ما سواه، فلا يُحِبّ شيئًا مثل ما يُحبّ الله، ولا يخافه كما يخاف الله، ولا يرجوه كما يرجوه، ولا يُجلُّه ويُكرِمه مثل ما يُجلّ الله ويُكرمُه، ومن سَوَى بينه وبين غيره في أمَر من الأمور فهو مشركَ، إذ كان المشركون لا يُسَوُّون بينه وبين غيره في كل [شيء]، فان هذا لم يقله أحدٌ من بني آدم، وهو ممتنع لذاتِه امتناعًا معلومًا لبني آدم، لكن منهم من جَحَده وفَضَّلَ عليه غيرَه في العبادة والطاعة، لكن مع هذا لم يثبِتْه ويُسوِّ بينه وبين غيرِه في كل شيء، بل في كثير من الأشياء. فمن سوَّى بينه وبين غيرِه في أمرٍ من الأمور فهو مشركٌ، قال الله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)) (٢) أي يعدلون به غيره، يقال: عَدَلَ به أي جعله عديلًا لكذا ومثلًا له. وقال تعالى: (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (٩١)) إلى قوله: (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)) (٣) وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) (٤).


(١) سورة يوسف: ١٠٦.
(٢) سورة الأنعام: ١.
(٣) سورة الشعراء: ٩١ - ٩٨.
(٤) سورة البقرة: ١٦٥.