للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشرب لنقصه، كالجامدات وكالحيوان المريض، فهذا ليس ممدوحًا بذلك، فلو قدر مريض موسر يُطعِم الناس، وهو في نفسه لا يطعم لمرضه، لم يُمدَح بأنه يُطعِم ولا يَطعَم، والناس إذا لم يُطعِموه لكونه لا يَطعم لمرضه ونقصه لم يكن ممدوحًا بأنهم لا يُطعِمونه، بخلاف ما إذا لم يَطعم لغناه، فإنه يُمدَح بأنه يُطعِم ولا يَطعَم، وإن كان هو في نفسه يأكل ويشرب من ماله، مع أن المريض لابدّ أن يَطعَم، وأما ما لا يَطعَم بمالٍ لنقصه كالجامدات، فالأرض يخرج منها صنوف الثمرات، وهي لا تأكل لنقصها، فقد يقال: إنها تُطعِم ولا تَطعَم أي لا تأكل لنقصها، لكن هي محتاجة إلى السقي والشرب، وهذا حاجةٌ منها إلى ما يقيها ويغذيها.

ولهذا قال تعالى: (وهو يطعم ولا يطعم)، فوصفه بالإثبات المطلق والنفي العام، وصفه بأنه يُطعِم، وهذا مطلق يصلح أن يدخل فيه كل إطعام، كما إذا قيل: يخلق ويرزق ويُعطي ويمنع، كما في الحديث الصحيح الإلهي (١): "يا عبادي! كلكم ضالٌّ إلاّ من هديتُه، فاستهدوني أَهدِكم، يا عبادي! كلكم جائع إلاّ من أطعمتُه، فاستطعموني أُطعِمكم، يا عبادي! كلكم عارٍ إلاّ من كسوتُه، فاستكسوني أكسُكم". وقال: (وَمَا بِكُم من نِعمَةٍ فَمِنَ اَلله) (٢)، وقال: (هَل مِن خالِقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض) (٣)، وقال الخليل: (الذي خلقني فهو يهدين (٧٨) والذي هو يطعمني ويسقين (٧٩) وإذا مرضت فهو يشفين (٨٠)) (٤).


(١) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٤٩٠) ومسلم (٢٥٧٧) من حديث أبي ذر.
(٢) سورة النحل: ٥٣.
(٣) سورة فاطر: ٣.
(٤) سورة الشعراء: ٧٨ - ٨٠.