للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث المأثور أنه يقال على الطعام (١): "الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ منّي ولا قوة"، وأنه من قال ذلك غُفِر له. وفي الحديث الآخر (٢): "الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم، من علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، ومن كل خبر آوانا" (٣). وقد قال تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت (٣) الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف (٤)) (٤).

وبالجملة فضرورة الخلق إلى الرزق دائمًا أمرٌ باهرٌ علمًا وذوقًا ووجدًا، فكونه "يُطعِم" من أطعم بيان نعمه وكرمه وإحسانه، وقوله "ولا يُطعَم" نفي عام، فإن الفعل نكرةٌ في سياق النفي، فلا يطعمه أحدٌ بوجهٍ من الوجوه، فلا يكون أحدٌ محسنًا إليه، ولا مكافئًا له على هذه النعمة. كما رواه البخاري (٥) عن أبي أمامة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول إذا رُفِعَتْ مائدتُه: "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غيرَ مَكْفِيّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مستغنًى عنه ربَّنا".

وأما إذا قيل: يُطعِم وهو لا يأكل، لم يكن المنفي عنه من جنس المثبت له، بل ذكر تنزيهه عن الأكل، فلا يبين المقصود من أنه


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٤٣٩) والدارمي (٢٦٩٣) وأبو داود (٤٠٢٣) والترمذي (٣٤٥٨) وابن ماجه (٣٢٨٥) من حديث معاذ بن أنس. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (١٩٨٩).
(٢) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (٣٠١) وابن السنّي (٤٨٥) والحاكم في المستدرك (١/ ٥٤٦) من حديث أبي هريرة. وفي إسناده زهير بن محمد، وهو ضعيف. وقد سقط ذكره في مطبوعة كتاب النسائي.
(٣) في مصادر التخريج: "وكل بلاء حسن أبلانا".
(٤) سورة قريش: ٣ - ٤.
(٥) برقم (٥٤٥٨). وانظر شرحه في "فتح الباري" (٩/ ٥٨٠ - ٥٨١).