للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما بيعها فلو كان كذلك لباع المساكن أيضًا، ولا بيع يكون بثمن مؤبَّد إلى يوم القيامة، فالتخريج أصل دلَّت عليه السنَّة والإجماع، فلا يقاس بغيره، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "منعتِ العراقُ قفيزَها ودرهمَها، ومنعت الشامُ مُدْيَها ودينارَها، ومنعتْ مصرُ إردبَّها ودينارها" (١).

واتفق الصحابة مع عمر على فعله بوضع ذلك، فإن أصل الخراج في قوله (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى) (٢)، فإن هذا فرق بين العقار والمنقول، ومع هذا فقد أضاف القرى إليهم، فعلم اختصاصهم بها.

وإذا كان كذلك فلو أخذه ذمّي من الذمّي الأول بالخراج، وعاوضَه في ذلك عوضًا، لم يكن في ذلك ضررٌ أصلاً، فلا وجه لمنعه، لأنه إن قيل: إنه وقف فهذا لا يخرج بهذه المعاوضات عن أن يكون وقفًا، بل مستحقّ أهل الوقف باقٍ كما كان. وبيع الوقف إنما مُنِع منه لإزالة حق أهل الوقف، وهذا لا يزول بل هو بمنزلة إجارة أرض الوقف بأكثر مما استأجرها، فكأنه قال: أكريتُكَ هذه بما على من الخراج وبالزيادة التي تُعجِّلها لي، ولهذا انتقل إلى ورثة من هي في يده، والوقف لا يُباع ولا يُوهَب ولا يُورَث، فإذا جاز انتقاله بالإرث على صفة ما كان فالهبةُ مثله، وكذلك المعاوضة، سواء سُمِّيت بيعًا أو إجازةً. ولهذا جوَّز أحمد -رحمه الله- إصداق الأرض الخراجية، وما جاز أن يكون صداقًا جاز أن يكون ثمنًا وأجرةً، وما كان ثمنًا كان مثمنًا، فهذا ينبغي تأملُّه.


(١) أخرجه مسلم (٢٨٩٦) عن أبي هريرة.
(٢) سورة الحشر: ٧.