يبقى إذا أخذه المسلم، فقد يكره لما فيه من الصَّغار، ولما فيه من الاشتغال عن الجهاد بالحراثة، فهو مانعٌ آخر غير كونه وقفًا يختلف باختلاف المصالح والأوقات، كما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاملَ اليهودَ على خيبرَ لقلّة المسلمين، فلما كثُر المسلمون أجلاهم عمرُ بأمر النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، صار المسلمون يعمرونها. فكذلك الأرض الخراجية، إذا كثر المسلمون كان استيلاؤهم عليها بالخراج أنفعَ لهم من أن يَبقَوا فقراءَ محاويجَ، والكفّار يستغلُّون الأرضَ بالخراج اليسير، فإنهم كانوا زمنَ عمر قليلاً وأهل الذمة كثيرًا، وقد انعكس الأمر، فكما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عاملَهم على خيبر، ثم عَمرها المسلمون لفا كثُر المسلمون وتضرَّروا ببقاء أهل الذمة في أرض العرب، فكان المعنى ضرر المسلمين بأهل الذمة واكتفاء المسلمين بالمسلمين. فكيف إذا احتاج المسلمون إلى الأرض الخراجية وتضرّروا ببقائها في أيدي أهل الذمة، فرأى من احتاج من المسلمين أن يعاوض الذمّي ويقوم مقامَه فيها، فإن كان المؤدَّى أجرةً فهو أحق باستئجار أرض المسلمين وعمارتها، وإن كان ثمنًا فهو أحق باشترائها، وإن كان عوضًا ثالثاً فهو أحق به أيضًا.
ومتى كثُر المسلمون لم يبقَ صَغار ولا جزية، وإنما كان فيه صغار وجزية في الزمن المتقدم. كما لو أسلم الذمي الذي هو مسئول عليها، فإنها تبقى في يده مؤديًا لخراجها، ويسقط عنه جزية رأسه، فكيف يقاس هذا بهذا؟ وإذا جاز أن يبقى بيده بعد إسلامه، فما المانع أن يدفعَها إلى مسلم غيره بعوضٍ أو غيرِه؟