والمسلم لا صَغارَ عليه بحالٍ، فلو كان المانع كونها صغارًا لم يجامع الإسلام لجزية الرأس، ولا يقال: هي الرقّ يمنع الإسلام ابتداء ولا يمنع دوامه، لأن الرقّ قَهَرْناهم عليه بغير اختيارهم لم نُعاوضْهم عليه، فكذلك جزية الرأس لا نمكِّنهم من المُقَام بالأرض الإسلامية إلاّ بهما، فهي نوع من الرقّ، لثبوتها بغير اختيار المسترقّ.
وأما الخراج فإنما ثبت بمعنى الخارج واختياره، ولو لم يقبل الأرض ما لم يدفعها إليه، بمنزلة المساقاة المزارعة التي عامل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها أهلَ خيبر، سواء كان هناك العوض جزءًا من الزرع وهُنا العوض مسمى معلوم، وهناك لا يستحقّ شيئا إلاّ إذا زرعوا، وهنا يستحقّ إذا أمكنهم الزرعُ. فنظيرُه أن العامل في المزارعة يعامل غيره بأقلّ من الجزء الذي استخرج، وأن المضارب يدفع المال مضاربةً، لكن هذا يتوقف على إذن المالك لتعيين المستحق.
وبالجملة فالموانع من غير جزية كونها وقفا ينظر فيها العاقبة، أما جهة الوقف يتوجه كونها مانعًا على أصول الشريعة أبدًا، وأما التعليل بالاشتغال بالحراثة عن الجهاد فهذا قائم في جميع الأرضين عُشْرِيّها وخراجيّها، وذلك شيء آخر. ونظير هذا الغلط ما علَّلوا به أرضَ مكة.