ونظير ذلك مكة، فإنه لا ريبَ فُتحتْ عنوةً، ومن قال: إنها فُتحت صلحًا فاستقرَّ ملكُ أصحابها عليه، ليجوز لهم ما يجوز في سائر أراضي الصلح من البيع وغيره، كما يقوله الشافعي= فقوله ضعيفٌ لوجوهٍ كثيرة من المنقولات.
وأيضًا فإنه لا يجوز مثل ذلك، فإنه لو صالح الإمامُ قومًا من المشركين بغير جزية ولا خَرَاجٍ لم يَجزْ إلاّ لحاجة، كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامَ الحديبية. أما إذا فُتِحت الأرض فتحَ صلحٍ وأهلُها مشركون من غير أهل الجزية، فإنه لا يجوز إقرارُهم بغير جزية بإجماع المسلمين.
وأيضًا فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل في العام المقبل لما حجَّ أبو بكر لمن لم يُسلِم منهم أجلَ أربعة أشهر، وإلاّ جعلَه محاربًا يستبيح دمه وماله، ولو كان قد فتحها صلحًا لم يجز ذلك.
وأيضًا فإنه قد استباح قتلَ جماعةٍ سماهم، لكن فتحها عنوةً وأمَّنَ من تركَ القتالَ منهم على نفسه وماله إلاّ نفرًا استثناهم، وكان قد أرسل بهذا الأمان مع أبي سفيان، فمنهم من قَبلَه فانعقدَ له، ومنهم من لم يقبل فحاربَ أو هَرَب، والأمان لا يثَبت إلاّ بقبول المؤتمن كالهدنة. وأما من لم يترك القتالَ فلم يؤمِّنْه بحالٍ، لكن خصَّ وأمَّ في ألفاظ الأمان، والمقصود واحد، فإن قوله: "ومن دخل المسجدَ فهو آمن، ومن دخلَ دارَه فهو آمن، ومن ألقى