للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلاحَ فهو آمن، ومن دخل دارَ أبي سفيان فهو آمن" كلها ألفاظ معناها: من استسلمَ فلم يقاتل فهو آمن. ولهذا سمَّاهم الطُلَقاء، كأنهم أسرَهم ثمَّ أطلقَهم كلَّهم.

فقالت الحنفية: لما فَتَحها عَنْوةً ولم يَقْسِمْها، بل أقرَّها في يد أهلِها، صار هذا أصلاً في أرض العنوة أنه لا يجوز إقرارها في يد أهلها. قالوا هم وأصحابنا وغيرهم في أحد التعليلين: ولهذا لم يجز بيعُها وإجارتُها، لكونها فُتِحتْ عنوةً ولم تُقسَم كسائر أرض العنوة. وربما قالوا: صار إنزال أهل مكة للناس عندهم هو الخراج المضروب عليهم.

وأما من قال من أصحابنا: إن الخراج على مزارعِها، فقد عُلِمَ بالنقل المتواتر فسادُ قوله مع إجرائِه لقياسه. وهذا التعليل ضعيف لوجوهٍ:

أحدها: أن أرض العنوة يجوز إجارتُها بالإجماع، وبيوت مكة أحسنُ ما فيها أنه لا يجوز إجارتُها، بل يجوز بذلُها للمحتاج بغير عوض. فهذا هو الذي يدكُ عليه الكتاب والآثار والقياس، وأما المنع من بيعها ففيه نظر، فلو كان المانع كون فتحها عنوةً لما منع إجارتها.

الثاني: أن أرض العنوة إنما تُمنَع من بيع مزارعها، فأما المساكن فلا يُمنَع ذلك فيها، بل هي لأصحابها. ومكة إنما منعوا من المعاوضة في رباعها التي لا تمنع فيها في أرض العنوة، وهذا برهان ظاهر على الفرق.