الثالث: أن مزارع مكة ما علمنا أحدًا من أصحابنا ولا غيرهم منع بيعَها أو إجارتَها، وإنما الكلام في الرباع، وهي المساكن لا المزارع، فأين هذا من هذا؟
الرابع: أن تلك الديار كانت للمهاجرين، فقد طلبوا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعادتَها إليهم فلم يَفْعَل، ولو كانت كسائر العنوة لكان قد أعادها إلى أصحابها، لأن الأرض إن كانت للمسلمين، واستولى عليها الكفار، ثم استنقذناها، وعُرِف صاحبُها قبل القسمة= أعيدت إليه.
الخامس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يتعرض لشيء من أموالهم، لا منقولها ولا عقارها ولا شيء أخذ من ذراريهم، ولو أَجرَى عليها أحكامَ غيرِها من العنوة لغنمَ المنقول والذرية.
بل الصواب أن المانع من إجارتها كونُها أرضَ المشاعر التي يَشتركُ في استحقاق الانتفاع بها جميعُ المسلمين، كما قال تعالى:(سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)(١)، فالساكنون بها أحق بما احتاجوا إليه، لأنهم سبقوا إلى المباح، كمن سبقَ إلى المباح من طريق أو مسجد أو سوق. وأما الفاضل عليهم بذلوا لأنهم إنما لهم أن يبنوا بهذا الشرط، لكن العرصةَ مشتركة، وصار هذا بمنزلة من يبني بيئا في رباطٍ أو مدرسةٍ أو نحو ذلك له اختصاصٌ بسُكناه وليس له المعاوضة عليه، أو من يبني بيتًا في خانات السبيل، أو في دور الرباط التي تكون في الثغور، ونحو ذلك. كما تكون الأرض فيه مشتركة