للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتِها، فصلُّوا الصلاةَ لوقتِها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلةً"، وهو الوقت الذي بيَّنه لهم. والأمراء إنما كانوا يُؤخِّرون الظهرَ إلى وقت العصر، أو العصرَ إلى آخر النهار. ودلَّ هذا على أن من فَعلَ هذا لم يُقاتَل، لأنهم سألوه عن الأمراء نُقاتِلُهم؟ قال: "لا، ما صَلَّوا"، وهذه كانت صلاتَهم. ودلَّ على أنّ هذه الصلاة صحيحة، وإن كان فاعلُها آثما. بخلاف صلاة النهار بعد الغروب، فإنّ من قال: لا يُصلِّيها إلا بعد الغروب قد قُوتلَ بلا ريبٍ. وكذلك من قال: لا يُصلي المغرب والعشاء إلا بعد طلوع الفجر فإنه يُقاتَل بلا ريبٍ. وقد قال ابن مسعود وغيرُه في قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) (١)، قالوا: إضاعتُها تأخيرُها عن وقتها، ولو تركوها لكانوا كفارًا، وأرادوا بذلك تأخيرها إلى الوقتِ المشترك أو وقتِ الاضطرار، ولم يُريدوا بذلك تأخيرَ صلاةِ النهار إلى الليل ولا صلاةِ الليل إلى صلاة النهار، فإنّ الخَلَف الذين كان ابن مسعودٍ يُسَميهم الخلف -كالوليد بن عقبة بن أبي معيط وغيرِه- لم يكونوا يُؤخرون صلاةَ النهار إلى الليل، ولا صلاةَ الليل إلى النهار، بل كان التأخير كما تقدم، مع أن ابن مسعود كان يُسمِّيهم "خلف ويقول: "ما فَعلَ خَلَفُكم؟ "، فالخلف لم يكونوا يُصلُّون بغير الفاتحة، ولا بغير التكبير، ولا يقرأون القرآن بغير العربية، بل كانوا يُصلُّون في الوقت المطلق في كتاب الله في الطرف الثاني وقبل الغروب. ثم لما دلَّ الشرعُ على وجوب الصلاة في الوقت المختصّ ذُمُّوا لأجلِ تركِ هذا الواجب، مع


(١) سورة مريم: ٥٩.