للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوَّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (١).

فهذا الكلام قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ومعناه، فلفظه لفظ الرسول، ومعناه معنى الرسول، فإذا بلَّغه المبلِّغ عنه بلَّغَ كلامَ الرسول بلفظه ومعناه، ولكن صوت الصحابي المبلِّغ ليس هو صوت الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

فالقرآن كلامُ الله لفظه ومعناه، سمِعَه منه جبريل، وبلَّغه عن الله إلى محمد، ومحمد سمِعَه من جبريل، وبلَّغه إلى أمته، فهو كلام الله حيث سُمع وكُتب وقُرئ، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦]. وكلام الله تكلَّم الله به بنفسه، تكلّم به باختياره وقدرته، ليس مخلوقًا بائنًا عنه، بل هو قائم بذاته، مع أنه تكلّم به بقدرته ومشيئته، ليس قائمًا به بدون قدرته ومشيئته، والسلف قالوا: لم يزل الله متكلِّمًا إذا شاء.

فإذا قيل: كلام الله قديم، بمعنى أنه لم يَصِر متكلّمًا بعد أن لم يكن متكلمًا، ولا كلامه مخلوق، ولا معنى واحد قديم [قائم] (٢) بذاته، بل لم يزل متكلمًا إذا شاء، فهذا كلام صحيح. ولم يقل أحدٌ من السلف: إن نفس الكلام المعين قديم، وكانوا يقولون: القرآن كلام الله منزل غير


(١) أخرجه البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧) من حديث عمر رضي الله عنه.
(٢) من (ف).